لطالما تنهار جدران التعاليم

آيات بوحاجب

12 أيلول/سبتمبر 2025

في نيسان/أبريل 2025، انهار جدار في مدرسة في منطقة المزونة في ولاية سيدي بوزيد التونسية، ما أسفر عن مصرع ثلاثة تلاميذ وإصابة عدد آخر. أثار الحادث المأساوي موجة من الغضب الشعبي، ودفع إلى زيارات رسمية، من بينها زيارة قام بها الرئيس قيس سعيّد، ما أجّج مؤقتًا الدعوات إلى إصلاح منظومة التعليم المتعثرة في تونس. ولكن، وكما في الأزمات السابقة، سرعان ما تلاشى هذا الزخم. لم يكن الانهيار مجرد فشل في البنية التحتية، بل عكس انهيارًا أعمق في الدور المدني للدولة، حيث أصبح عجزها عن حماية شبابها وتمكينهم شاهدًا صارخًا على إهمالها الأوسع للتجديد الديمقراطي.

ورغم أن النقاشات العامة حول التعليم في تونس غالبًا ما تنحصر في مشكلات البنية التحتية، والتفاوت الجهوي، أو الفجوات في التشغيل، فإن سؤالًا محوريًا لطالما ظلّ مغيّبًا: أي مواطن يُنتجه النظام التعليمي التونسي اليوم؟ بعد أكثر من عشر سنوات على ثورتها، لم تطوّر تونس نظامًا تربويّا يعزز التفكير النقدي، أو المشاركة المدنية، أو المشاركة الديمقراطية. ويظهر هذا القصور بأوضح صوره في الإخفاق المتواصل في البلاد في إصلاح المناهج وإعادة تصور التعليم كمشروع ديمقراطي.

وهذا الفشل ليس مجرد أزمة تربوية، بل أزمة سياسية. فبدون مشروع وطني، تبقى مسيرة الانتقال الديمقراطي في تونس هشّة. فإصلاح التعليم أمر ضروري للاستدامة الديمقراطية، إذ هو الذي يصوغ المواطنين القادرين على الدفاع عن الديمقراطية أو تقويضها في السنوات القادمة.

بعد ثورة 2011، تلقى التونسيون وعودًا بعقد اجتماعي جديد، يستند إلى الكرامة والحرية والحكم الديمقراطي. وقد وُضع التعليم في صلب هذه الرؤية. فقد نص الفصل 39 من دستور 2014 على أن التعليم يرمي إلى "تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها والانفتاح على اللغات الأجنبية والحضارات الإنسانية ونشر ثقافة حقوق الإنسان".

تلا هذا الالتزام الدستوري إصدار "الكتاب الأبيض لإصلاح التعليم" سنة 2016، وهو وثيقة محورية أعدّتها وزارة التربية عقب مشاورات وطنية موسعة، وقد اعتبر الكتاب الأبيض أن التعليم "رافعة استراتيجية للتحول المجتمعي"، ودعا بشكل صريح إلى إرساء نظام تعليمي ديمقراطي، جامع، يضع التلميذ في موقع القلب من العملية التربوية. كما رسم إطارًا إجماليًا لطموحات بإصلاح شامل للمناهج، وإرساء اللامركزية في الحوكمة المدرسية، والاستثمار في تدريب المدرسين، إلى جانب جعل التربية المدنية والأخلاقية ركيزة من ركائز التنمية الوطنية.

لكن وبعد قرابة عقد من الزمن، لم ترَ هذه الطموحات طريقها للتحقق. فالمجلس الأعلى لم يُنشأ، وإصلاح البرامج التعليمية تعثّر. وقد أشار تقرير لمبادرة الإصلاح العربي إلى أن مقترحات الإصلاح غالبًا ما "تهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي بدلًا من معالجة جذور الاختلال." ومن بين أبرز مظاهر هذا الاختلال: نظام مدرسي يزداد انفصالًا عن متطلبات ديمقراطية تعاني من أزمة، وعن الرؤية الواردة في كتابها الأبيض بحد ذاته.

الوظيفة الديمقراطية للتعليم

إن العلاقة بين التعليم والاستدامة الديمقراطية أمر موثق على نحو جيد في النظريات السياسية، وعلم الاجتماع، ودراسات التربية الوطنية. لقد أكد العديد من المفكرين، منذ أكثر من قرن، من جون ديوي إلى باولو فريري، أن المجتمعات الديمقراطية تتطلب أنظمة تعليمية لا تكتفي بإنتاج عمّالٍ، بل لا بد لها أن تنمّي مواطنين. ورسوخ الديمقراطية لا يتوقف فقط على النظم الانتخابية أو الصيغ الدستورية، بل على تكوين العادات المدنية، ومهارات التفكير النقدي، والقدرة على المشاركة الفعالة لدى عامة المواطنين.

وفي الأنظمة الديمقراطية الانتقالية مثل تونس، تزداد أهمية هذه العلاقة. فالتنشئة السياسية — أي كيفية تعلّم الأفراد للقواعد والقيم والممارسات المدنية — تبدأ غالبًا داخل المدرسة. لذا، لا يمكن اعتبار التربية المدنية مادة ثانوية، بل هي مؤسسة ديمقراطية أساسية في حد ذاتها. ومع ذلك، ظلّ منهاج التربية المدنية في حالة تونس يراوح مكانه منذ ما قبل ثورة عام 2011. لا يزال الطلبة يُطلب منهم حفظ فصول القانون والتعرف على هياكل الحكم، ولكن بدون حثهم على إخضاعها للدراسة النقدية أو إنعام النظر في دورهم في تشكيل الحياة العامة.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو استمرار تدريس مادة "التربية المدنية" في المدارس. فعلى الرغم من الثورة، لا يزال محتوى هذه المادة مطابقًا عمليًا للنسخة التي كان عليها قبل 2011: نمطي، وسطحي، وخالٍ من الحسّ السياسي. وتركز المادة على التعاريف القانونية بدلًا من النقاش الديمقراطي، وعلى الشكل المؤسساتي بدلًا من الوظيفة المدنية للمؤسسات. وبالكاد تتيح للتلاميذ فرصة لاستكشاف قيم التعددية، والاعتراض، والمساءلة العامة — وهي ركائز أساسية لاستدامة الديمقراطية.

ولكن الإشكال لا يكمن فقط في هذه المادة. فكما توضح دراسات مقارنة حول التحول الديمقراطي، غالبًا ما ترث حالات التحوّل في حقبة ما بعد الأنظمة السلطوية أنظمة تعليمية تم تشكيلها على أساس منطق الطاعة والسيطرة في النظام البائد. وإذا لم يُعَد تشكيل هذه الأنظمة التعليمية بشكل متعمد، فإنها تواصل إعادة إنتاج التراتبية والإقصاء اللذين سعت الثورات إلى تفكيكهما. وفي السياق التونسي، لا تزال آثار هذا الميراث السلطوي ماثلة في الثقافة الصفّية، ومحتوى الكتب المدرسية، والأولويات التعليمية. وفي الواقع، يُجسّد النموذج الحالي للتربية المدنية في تونس حالة خوف دفين من إقحام السياسة في الفصل الدراسي. فبدلًا من إعداد التلاميذ لمناقشة الأفكار، وتحدي حالات الإجحاف، أو المشاركة في العمل المدني، يركّز المنهج على الإذعان، والانضباط، وفهم سلبي للمواطنة، حيث يُعامل المواطن ككائن خاضع للحكم، لا كشريك فاعل في الحياة الديمقراطية.

ومما لا شك فيه أن تحديات التعليم في تونس لا تقتصر على المنهج التربوي. فالضعف المزمن في التمويل، وتشظي البيروقراطية، والتفاوتات الجهوية، كلّها عوامل تستمر في تقويض قطاع التعليم. فالعديد من المدارس، خصوصًا في الجهات الداخلية والجنوبية، تفتقر إلى مقومات أساسية مثل المياه الجارية، أو البنية التحتية الآمنة، أو النسب المناسبة بين المدرسين والتلاميذ. ومظاهر الحرمان المادية هذه تمس بكرامة الأطفال وسلامتهم وصحتهم، وتزيد من تعميق التفاوتات الجغرافية.

تونس أيضًا تواجه معدلات خطيرة في التسرّب المدرسي والأمية في أوساط التلاميذ. ووفقًا للمسؤولين الرسميين فإن ما يربو على المائة ألف تلميذ يتركون مقاعد الدراسة سنويًا، ما يفاقم ظاهرة الأمية الوظيفية والتهميش الاجتماعي. وهذه المؤشرات تراجعًا أوسع في الثقة بالتعليم العمومي.

ومع ذلك، ينبغي التأكيد على أن مسألة إصلاح التربية المدنية ليست مسألة تمويل بشكل أساسي. فبخلاف البنية التحتية، فإن إعادة النظر في المناهج أو إعادة تصور الغاية المدنية للتعليم تتطلب إرادة سياسية أكثر من الاستثمار المالي. وهذا ما يجعل الإهمال المستمر للتربية المدنية أمرًا مقلقًا على نحو خاص: فهذه فرصة ضائقة لا يمكن إنحاء اللائمة فيها على ندرة الموارد.

التعليم كمشروع ديمقراطي

إذا كان المراد هو ضمان مستقبل تونس الديمقراطي، فلا بد من إعادة تصوّر التعليم كفضاء مدني، لا مجرد وسيلة للحصول على وظيفة. يبدأ الإصلاح بإعادة تعريف وظيفة المدرسة: تنشئة مفكرين نقديين قادرين على المشاركة البناءة في الشأن العام. ويستلزم ذلك إدماج القيم الديمقراطية وروح التساؤل في مختلف المواد التعليمية، وتمكين المعلمين من أداء دورهم كميسّرين للحوار. كما يجب إحياء الاتحادات الطلابية والنوادي المدرسية كفضاءات للمشاركة المدنية. والأهم من ذلك كله، ينبغي إرساء صناعة القرار على أسس لامركزية، بحيث يكون للتلاميذ، وأولياء الأمور، والمربين دور فعلي.

وفي قلب هذا التصور، يقع إنشاء المجلس الأعلى للتربية والتعليم الذي لطالما تردّدت الوعود في شأنه، الذي نص عليه دستورَ 2022، لكنه لا يزال غائبًا. كما يجب إعادة الاعتبار للأهداف المدرجة في الكتاب الأبيض لسنة 2016 الصادر عن وزارة التربية، لا كحاشية هامشية من الماضي، بل كمخطط تفصيلي غير منجز للتجديد الديمقراطي في تونس. وإن لم يتحقق ذلك، فإن الجدران، مادية كانت أم رمزية، ستواصل الانهيار.

حصلت آيات بوحاجب على شهادة البكالوريوس في السياسة الدولية من كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون. وقد ركزت دراستها على قضايا التحول الديمقراطي، مع اهتمام خاص بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تناولت أطروحتها، التي حملت عنوان "تمهيد الطريق نحو السلطوية: إعادة التفكير في مسار الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الربيع العربي (2011–2019)"، تحولات المشهد السياسي في أعقاب الثورات العربية. وتجمع خلفيتها الأكاديمية بين فهم معمق للمنطقة ومهارات تحليلية في مجالي العلوم السياسية والعلاقات الدولية. وتشغل آية حاليًا منصب مستشارة في شركة برايس واترهاوس كوبرز الشرق الأوسط، حيث توظف معرفتها بالسياقات الإقليمية في المشاريع الاستشارية التي تنفذها الشركة مع الحكومات والقطاع العام.